سوف يجد من يتتبع التطور التنافسي بين الاقتصاديات العالمية أنَّ أقوى الاقتصاديات العالمية هي تلك التي حازت منظماتها ومنشآتها الصناعية على براءات الاختراع التي تُعدُّ من مؤشرات الإبداع التكنولوجي، وفي السياق نفسه سوف يدرك دور الإبداع التكنولوجي بالنسبة إلى المنظمات التي تهدف إلى الاستمرار والديمومة.
ممَّا لاشكَّ فيه أنَّ المعارف والعلوم اليوم هي المصدر الأهم لامتلاك أي منظمة للميزة التنافسية؛ ومن ثَمَّ أصبح لا بُدَّ من إيلاء عامل الإبداع التكنولوجي الاهتمام المناسب، والذي يقود بدوره إلى تعزيز تنافسية المنظمات بمختلف أحجامها الصغيرة منها أو المتوسطة أو الكبيرة؛ فالإبداع التكنولوجي جزء أساسي من عملية التطور التكنولوجي؛ إذ يسهم في تقديم منتجات وخدمات تسهم في تحسين الحياة البشرية ومواكبة حاجات الإنسان المتجددة والمتغيرة.
أولاً: ما هو الإبداع التكنولوجي؟
يمثل الإبداع التكنولوجي محركاً رئيساً وركيزة أساسية للتقدم والتطور الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات المعاصرة؛ إذ يعبِّر عن كل ما يُستَحدث من منتجات أو طرائق أو أساليب إنتاج تحقق الفائدة والمنفعة، وتلبي الغرض الذي أُحدثت من أجله، وتجدر الإشارة إلى أنَّ الإبداع التكنولوجي ليس حكراً على منظمة بعينها أو مجال محدد؛ بل يمكن أن يرتبط بأي مجال من مجالات الحياة المتعددة بدءاً من التكنولوجيا الرقمية، وصولاً إلى النشاطات الاقتصادية والزراعة والصناعة والتجارة والخدمات والعلوم البيئية والفن والثقافة، وكذلك النشاطات الرياضية والترفيهية وسواها من النشاطات التي يمارسها الإنسان.
مصطلح الإبداع التكنولوجي يتألف من جزأين هما:
1. الإبداع:
هو القدرة على إنتاج أفكار مبتكرة، وقد عبَّر عنه الدكتور “علي الحمادي” بقوله: “الإبداع هو مزيج من الخيال العلمي المرن لتطوير فكرة قديمة أو لإيجاد فكرة جديدة مهما كانت الفكرة صغيرة ينتج عنها إنتاج مميز غير مألوف يمكن تطبيقه واستعماله”.
2. التكنولوجيا:
هي الأدوات والأساليب والإجراءات والمعرفة المستخدمة لإنتاج منتج أو خدمة جديدة؛ وبذلك فإنَّ الإبداع التكنولوجي بمفهومه العام يرتبط بالمستجدات الإيجابية التي تخص المنتجات والخدمات بمختلف أنواعها.
شاهد بالفيديو: 5 نصائح تُحفّزك على الإبداع:
ثانياً: تعريف الإبداع التكنولوجي:
- تشير مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية NSF-National Science Federation إلى أنَّ: “الإبداع التكنولوجي هو إدخال خدمات للسوق أو تحسين منتجاتها أو عملياتها”.
- أما “محمد السعيد أوكيل” فيعرِّفه في كتاب “اقتصاد وتسيير الإبداع التكنولوجي” بأنَّه: “هو تلك العملية التي تتعلق بالمستجدات الإيجابية التي تخص المنتجات بمختلف أنواعها وكذلك أساليب الإنتاج”.
- تعرِّفه “ميليسا شيلنغ” “Mellissa Schilling” في كتاب “Gestion de l’innovation technologique” بأنَّه: “الإبداع التكنولوجي هو الإطلاق الفعلي لأسلوب جديد أو مادة جديدة، من أجل تلبية رغبات الزبائن وتحقيق أهداف تجارية.
- يقول “محمد قريشي” في كتاب “الإبداع التكنولوجي كمدخل لتعزيز تنافسية المؤسسات الوطنية”: “هو كل جديد أو كل تحسين صغير أو كبير في المنتجات وأساليب الإنتاج الذي يحصل بمجهود فردي أو جماعي، والذي يثبت نجاحه من الناحية الفنية أو التكنولوجية، وكذلك فاعليته من الناحية الاقتصادية وتحسين الإنتاجية وتخفيض التكاليف”.
ثالثاً: أهمية الإبداع التكنولوجي؟
- تحسين المنتجات والخدمات المقدمة للمستهلكين بجودة عالية وأسعار مقبولة.
- تنمية رأس المال البشري وتدريبه على القيام بالأبحاث وتطوير أساليب إنتاج جديدة تخدم البشرية وتحقق رفاهيتها.
- مساعدة المنظمات على تحسين جودة عملياتها ومنتجاتها وخدماتها.
- توسيع الوصول إلى الأسواق: إذ تستطيع المنظمات التواصل مع عملائها في العالم أجمع ومعرفة رغباتهم وتوقعاتهم وتلبيتها؛ ومن ثَمَّ زيادة حصتها السوقية.
- امتلاك الميزة التنافسية: يسمح الإبداع التكنولوجي للمنظمة بتطوير منتجات وخدمات جديدة وبامتلاك الميزة التنافسية؛ ومن ثَمَّ ضمان تفوقها.
- يسهم الإبداع التكنولوجي في تحقيق النمو الاقتصادي للمنظمات خاصة وللمجتمعات عامة.
- يدعم الإبداع التكنولوجي التنمية المستدامة وحصول الإنسان على حياة أكثر صحة.
- يحفِّز الإبداع التكنولوجي التعاون والابتكار المفتوح بين المنظمات.
- تحسين أداء المنظمات بزيادة الطلب على منتجاتها أو بخفض التكاليف الإنتاجية لها.
رابعاً: أنواع الإبداع التكنولوجي
1. الإبداع التكنولوجي التدريجي:
يكون من خلال إضافات وتعديلات صغيرة وبسيطة، سواء في المنتجات أم العمليات أم الأساليب الإنتاجية، وهذا النوع لا يحتاج إلى كثير من الوقت أو بذل الجهود الكبيرة ولا إلى موارد مادية وبشرية كبيرة.
2. الإبداع التكنولوجي الجذري:
يعمل هذا النوع على إنشاء منتجات وعمليات جديدة وإجراء تغييرات أساسية جذرية في طريقة العمل وإنجازه؛ بهدف تحقيق التلبية السريعة لرغبات الزبائن وحاجاتهم، ويؤدي هذا النوع إلى إدخال تكنولوجيا جديدة تحرِّك النمو الاقتصادي وتنشئ أسواقاً جديدة، وتستطيع المنظمة تحقيق أرباح كبيرة لا سيَّما في ظل وجود الملكية الفكرية؛ إذ تمتد بحسب القانون لعشرين سنة.
خامساً: دوافع الأخذ بالإبداع التكنولوجي
1. المنافسة الحادة في الأسواق المحلية والعالمية:
تسعى المنظمات إلى اكتساب الميزة التنافسية التي تمكنها من الاستمرار بالمنافسة في الأسواق العالمية، والمحافظة على مركزها التنافسي الذي يتحقق من خلال قدرتها المستمرة على تلبية حاجات العملاء ورغباتهم وبأفضل جودة ممكنة؛ لذا تسارع المنظمات على الاستثمار في الإبداع التكنولوجي من أجل تجديد أساليب جديدة للإنتاج وابتكارها وإدخال منتجات وخدمات منافسة، تستطيع من خلالها السيطرة على السوق وتوسيع حصتها السوقية وجذب عدد أكبر من العملاء.
2. التطورات العلمية والتكنولوجية:
أسهمت الثورة العلمية منذ بدئها في القرنين السادس والسابع عشر بإحداث تغيرات جوهرية على مستوى العالم؛ إذ أصبحت الفرصة موجودة لتطبيق مجمل الاكتشافات المرتبطة بالإنتاج وتحسين الجودة، وأصبحت المدة قصيرة جداً بين الاكتشاف وبين تطبيقه، ولهذا نجد معظم المنظمات تبرم الاتفاقات مع مراكز البحوث المختلفة، وكذلك إقامة مراكز خاصة بها.
3. إتاحة الفرصة أمام المنظمات لزيادة إنتاجها:
إنتاج أكبر يعني أرباح أكثر؛ فالإبداع التكنولوجي قادر على إيجاد أساليب إنتاج جديدة تخفض من التكاليف وتزيد من الأرباح.
4. الإبداع التكنولوجي فرصة لزيادة الكفاءة وتحسين العمليات:
الإبداع التكنولوجي هو فرصة المنظمات لتحسين الإنتاجية والكفاءة وتحقيق معايير الجودة، فكلما استثمرت في الإبداع التكنولوجي استطاعت إيجاد أساليب جديدة تساعدها على تحقيق تلك الأهداف بأفضل شكل ممكن.
5. تحسين جودة الحياة والبيئة:
يمكِّن الإبداع التكنولوجي من تطوير تقنيات وأساليب مستدامة ويقلِّل ابتكارها من التأثيرات البيئية السلبية للنشاطات الاقتصادية مثل تقنيات الطاقة النظيفة والمتجددة، وتقنيات إدارة النفايات وغيرها من الأساليب المبتكرة التي من شأنها تحسين حياة الأفراد والمجتمعات.
6. تحقيق التنمية الاقتصادية وتعزيز الاقتصاد المعرفي وتوفير فرص عمل جديدة:
الإبداع التكنولوجي من شأنه توفير فرص عمل جديدة، من خلال تطوير قطاعات اقتصادية جديدة وتعزيز الريادة الصناعية والتكنولوجية.
7. تحسن أساليب التواصل والتفاعل الاجتماعي:
أصبح العالم بمنزلة القرية الصغيرة وأصبح بمقدور المنظمات باستخدام ما ابتكره الإبداع التكنولوجي من تقنيات اتصال التواصل مع العملاء ومعرفة تجاربهم مع المنتجات والخدمات التي تقدمها؛ ومن ثَمَّ هو فرصة لتحسين ما تقدم.
8. الاستجابة السريعة لحاجات العميل:
استثمار المنظمة في الإبداع الإداري يمكِّنها من إدخال منتجات وخدمات جديدة بخصائص أكثر إيجابية ومناسبة للعملاء مثل الجودة الأعلى والسعر المنخفض وضمانة لفترة أطول.
9. أزمة الطاقة في العالم:
دفعت أزمة الطاقة في العالم بالإنسان إلى البحث عن الطاقة البديلة، وهذا كان سبباً رئيساً للأخذ بالإبداع الإداري.
10. التسهيلات التي تقدمها الحكومات في مجال الإبداع التكنولوجي:
تعمل معظم الحكومات في العالم على تقديم المساعدة والدعم في مجال الإبداع التكنولوجي لما له من فوائد في التنمية والتقدم فيها.
سادساً: مؤشرات قياس الإبداع التكنولوجي:
1. الإنفاق على البحث والتطوير:
يستخدم قيمة الإنفاق على البحث والتطوير على نطاق واسع بصفته مقياساً لمعرفة مدى الاستثمار في الإبداع التكنولوجي.
2. براءات الاختراع:
تشير براءات الاختراع إلى أنَّ البحث قد أدى إلى إبداع تكنولوجي؛ إذ تعطي الحق لصاحبها في منع الأطراف الأخرى من استخدامها، وهذا بالضبط ما يكسب المنظمة الميزة التنافسية.
3. تعداد الإبداعات التكنولوجية:
تعداد الإبداعات التكنولوجية هي قائمة قادمة من مختلف المنظمات ومستخلصة بعد دراسة شاملة لها، تقيس بوضوح الإنتاج، وتستهدف هذه القوائم المنظمات والصناعات والدول.
في الختام:
دفع التقدم التكنولوجي المتسارع والمستمر وازدياد حدة المنافسة في الاقتصاديات العالمية إلى الاهتمام بالإبداع التكنولوجي للاستمرار في تلبية حاجات العملاء والاستجابة السريعة لها؛ إذ يمثل الإبداع التكنولوجي عاملاً هاماً في أداء المنظمات من خلال سعيها إلى الحصول على أحدث الطرائق التكنولوجية، وإحداث التغيرات في الطرائق والعمليات الإنتاجية التي تحقق أهدافها؛ فالإبداع التكنولوجي هو فرصة المنظمة لاقتناص الفرص من البيئة المحيطة وتطويرها؛ بهدف إنتاج وعرض منتجات جديدة ذات جودة عالية وبتكاليف منخفضة بفضل معارفها؛ ومن ثَمَّ امتلاكها للميزة التنافسية التي تضمن استمرارها ونموها.
اكتشاف المزيد من مباشر التقنية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.