نتيجة لذلك، تفرض هذه التطورات التي أحدثتها تقنيات الذكاء الاصطناعي دراسة خصائصها وتحليل إيجابياتها وسلبياتها، ومناقشة الفاعلين والمطورين في هذا المجال، وسنتناول في هذا المقال بعضاً من مجالات استخدام هذه التقنيات وتأثيرها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، وكذلك سنتعرف إلى تأثير الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة في الصناعة التحويلية.
أولاً: ما هي الثورة الصناعية الرابعة وما هي مجالاتها؟
الثورة الصناعية الرابعة هي مصطلح يُستخدم لوصف التحول الحاصل في عالم الصناعة والإنتاج بفعل التطورات الكبيرة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، وتعد هذه الثورة تطوراً جديداً ومتسارعاً في الصناعة والإنتاج بعد الثورات الصناعية السابقة التي شهدها العالم في القرن الثامن عشر، والتي كانت تعتمد اعتماداً أساسياً على العمل اليدوي والآلات البسيطة.
تشمل ملامح الثورة الصناعية الرابعة تطبيق التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي وتقنيات الإنترنت والاتصالات والروبوتات والتصنيع الذكي والأشياء المتصلة وغيرها من التقنيات المتقدمة، ومن المتوقع أن تُحدث هذه التقنيات تحولات جذرية في طريقة الإنتاج والصناعة والخدمات والتجارة والتوظيف والحياة اليومية، وهذا بالطبع، سيؤثر تأثيراً كبيراً في الاقتصاد والمجتمع والأفراد، وتتطلب هذه الثورة التكيف مع تلك التغييرات السريعة وتطوير مهارات جديدة للعمل في بيئة اقتصادية وتقنية متطورة ومتغيرة بسرعة.
مجالات الثورة الصناعية الرابعة
تشمل مجالات الثورة الصناعية الرابعة عديداً من الصناعات والقطاعات، مثل:
- تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
- التصنيع الذكي والروبوتات.
- الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته.
- تقنيات الإنترنت الجديدة، مثل الإنترنت الجوي والإنترنت الفضائي.
- تقنيات الطاقة المتجددة والذكية.
- تطوير السيارات ذاتية القيادة وتقنيات النقل الذكي.
- التحسين الكبير في تقنيات الطب والصحة، مثل الطب البيولوجي والطب الشخصي.
- تقنيات الأشياء المتصلة والإنترنت من الأشياء.
إنَّ لهذه التقنيات والتطورات تأثير في العديد من المجالات، مثل الاقتصاد، والتجارة، والقطاع الصناعي، والصحة، والتعليم، والنقل، والزراعة، والطاقة، والبيئة، والأمن والدفاع، وغيرها، وتتطلب هذه المجالات التحول إلى نماذج جديدة للأعمال والعمليات والخدمات والتقنيات، وتوفير تدريب وتطوير للموارد البشرية للتأقلم مع هذه التغييرات الجديدة.
ثانياً: ما هي العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة؟
يعود تاريخ الذكاء الاصطناعي إلى النصف الثاني من القرن العشرين، ويمكن تقسيم تطوره إلى ثلاث مراحل:
1. المرحلة الأولى:
بدأت من عام 1940 وحتى عام 1960، وفيها استخدم الباحثون التحويلات الرياضية لإنشاء أنظمة قادرة على تحليل البيانات واتخاذ القرارات، وفي عام 1956، صِيغ مفهوم الذكاء الاصطناعي في مؤتمر دارتموث الذي ترأسه جون مكارثي.
2. المرحلة الثانية:
والتي استمرت منذ عام 1960 وحتى عام 2000، تسمى “الشبكات العصبونية”، وفيها درس العلماء الطرائق التي يعمل بها الدماغ البشري وبنوا نماذج حاسوبية مستوحاة من هذه العمليات، وفي عام 1980، قام العالِم الأمريكي ديفيد رميلهارت بتطوير مفهوم “الشبكات العصبونية”.
3. المرحلة الثالثة:
والتي نعيشها الآن، تشهد بداية تطور تقنيات جديدة، مثل التعلم العميق وتقنيات معالجة اللغة الطبيعية والتعرف إلى الصوت والصورة.
يمكن القول إنَّ التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي أدت إلى ظهور تطبيقات عديدة ومتنوعة، مثل التحليل الضخم للبيانات، والمركبات ذاتية القيادة، وتحليل الصور الطبية، والتعرف إلى الكلام، والترجمة الآلية، والتحكم في الروبوتات، وتطبيقات الأمن السيبراني، والتجارة الإلكترونية، وغيرها، وتتميز تقنيات الذكاء الاصطناعي بعدة قدرات منها:
- تحسين جودة المنتجات.
- تحسين الكفاءة.
- تخفيض التكاليف وتحسين تجربة المستخدم.
- تحليل البيانات وتحسين العمليات.
- تعزيز الابتكار وتحسين الإدارة وغيرها من الفوائد.
تستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي تلك في مختلف المجالات، وهذا يؤكد أنَّ التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي يمثل تحولاً جذرياً في العالم الحديث.
4. الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة:
تعد تقنيات الذكاء الاصطناعي من أهم العوامل التي تدعم تحول الصناعة والإنتاج إلى ما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة، فتطور هذه التقنيات يساعد على زيادة الإنتاجية وتحليل البيانات وتحسين العمليات والتفاعل بشكل أفضل مع العملاء وغيرها من الفوائد التي ذكرناها آنفاً.
تساهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحقيق رؤية الصناعة الذكية والتحول إلى تصنيع ذكي، وتعمل تلك التقنيات على تحسين العمليات الإنتاجية بشكل عام، من خلال التحكم في الإنتاج والمواد الخام والمخزونات والتوزيع والتسويق، وغيرها من الاستخدامات؛ لذلك تعد تقنيات الذكاء الاصطناعي من الركائز الرئيسة لهذه الثورة الصناعية الرابعة، وتؤدي دوراً حاسماً في تحقيق التحول إلى صناعة ذكية ومرونة ومستدامة في تحسين حياة الناس وتعزيز الاقتصاد والتنمية المستدامة.
ثالثاً: كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي في الصناعة التحويلية
بدايةً دعونا نتعرف إلى معنى الصناعات التحويلية؛ تعني الصناعات التحويلية (بالإنجليزية: Manufacturing Industries) المجموعة الواسعة من الصناعات التي تقوم بتحويل المواد الخام إلى منتجات جاهزة للاستخدام، وتشمل هذه الصناعات مختلف القطاعات، مثل الصناعات الغذائية والصناعات الكيميائية والصناعات الإلكترونية والصناعات المعدنية والصناعات النسيجية والصناعات الخشبية والصناعات الميكانيكية والصناعات الطبية وغيرها.
تتميز الصناعات التحويلية بأنَّها تستخدم مجموعة واسعة من التقنيات والمعدات والعمالة الماهرة لتحويل المواد الخام إلى منتجات نهائية ذات قيمة مضافة عالية، وتعد هذه الصناعات حاسمة للاقتصادات الوطنية، فهي تشكِّل مصدراً رئيساً للوظائف والإيرادات والنمو الاقتصادي.
تتضمن الصناعات التحويلية تحديات ومخاطر عديدة، مثل تحديات الإنتاجية والجودة والتكلفة والسلامة والأمان والاستدامة، ولذلك، يساعد تطبيق التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي في عديد من المجالات سنذكرها لاحقاً بالتفصيل.
يعد الذكاء الاصطناعي نظراً لما ذكرناه آنفاً، من التقنيات الحديثة التي تغير تغييراً كبيراً طريقة عمل الصناعات التحويلية، فعندما تُطبَّق التقنيات الحديثة للذكاء الاصطناعي على الصناعات التحويلية، تُحسَّن العمليات الإنتاجية وتكلفة الإنتاج والجودة والأمان والاستدامة.
فيما يأتي بعض الأمثلة على كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي في الصناعات التحويلية:
1. تحسين الإنتاجية:
يُحسِّن الذكاء الاصطناعي إنتاجية الصناعات التحويلية؛ من خلال تحليل البيانات والتنبؤ بالأعطال وتحسين الإنتاجية وتحسين كفاءة الإنتاج وتحسين مستوى الجودة وتحسين الأمان.
2. تحسين الجودة:
يُحسِّن الذكاء الاصطناعي جودة المنتجات؛ من خلال التحكم في العوامل المؤثرة في الجودة وتحليل البيانات المتعلقة بالجودة والتنبؤ بالأعطال المحتملة وتحسين عمليات التصنيع.
3. توفير التكاليف:
يُوفِّر الذكاء الاصطناعي التكاليف في الصناعات التحويلية؛ من خلال تحسين عمليات الإنتاج وتحسين كفاءة الإنتاج وتحليل البيانات المتعلقة بالتكاليف وتحسين عمليات التخزين والتوريد.
4. تحسين الأمان:
يُحسِّن الذكاء الاصطناعي مستوى الأمان في الصناعات التحويلية؛ من خلال تحليل البيانات المتعلقة بالسلامة والأمان وتحسين إجراءات السلامة والأمان والتنبؤ بالمخاطر المحتملة.
5. تحسين الاستدامة:
يُحسِّن الذكاء الاصطناعي استدامة الصناعات التحويلية؛ من خلال تحليل البيانات المتعلقة بالاستدامة وتحسين عمليات التصنيع وتحسين كفاءة الإنتاج وتحسين الاستخدام الفعال للموارد، وبهذه الطريقة، يُحدِث الذكاء الاصطناعي ثورة في الصناعات التحويلية ويساعد على تحسين الكفاءة والإنتاجية والجودة والأمان والاستدامة.
رابعاً: مستقبل العالم إلى أين في ظل الثورة الصناعية الرابعة وسطوة الذكاء الاصطناعي؟
تحمل الثورة الصناعية الرابعة وانتشار الذكاء الاصطناعي تحولات كبيرة في العالم، فتؤثر تأثيراً كبيراً في الاقتصاد والتكنولوجيا والمجتمع، ومن المتوقع أن يتسارع التطور التكنولوجي تسارعاً كبيراً في السنوات القادمة، ليشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الصناعات والقطاعات، ويساعد على تحسين العمليات والجودة وتقليل الأخطاء وتحسين الإنتاجية وتوفير الوقت والتكاليف.
من المتوقع أيضاً أن يؤثر الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، فقد تُستبدَل بعض الوظائف اليدوية بالآلات والروبوتات المجهزة بالذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ هذا النقل في سوق العمل قد يؤدي إلى ظهور وظائف جديدة في مجالات مثل البرمجة والتصميم والصيانة والتشغيل، ومن المفترض أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تغيير طريقة تفاعلنا مع التكنولوجيا والعالم، فقد تحدث خلال السنوات القادمة تحولات كبيرة في مجالات مثل الصحة والتعليم والترفيه والتسوق والنقل.
من أجل استغلال الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي والتأقلم مع التحولات الناجمة عنه، يجب علينا التركيز على تطوير المهارات والتدريب اللازم للاستفادة من التكنولوجيا الجديدة، وتأمين حماية البيانات الشخصية والأمن السيبراني، وتطوير السياسات والإجراءات اللازمة لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بفاعلية وآمن واستدامة.
في الختام:
يؤثر الذكاء الاصطناعي تأثيراً كبيراً في حياتنا اليومية، فيستخدم في مجموعة واسعة من التطبيقات التي نستخدمها يومياً، بدءاً من محركات البحث وتطبيقات الترجمة والتعلم الإلكتروني وحتى الأجهزة المنزلية الذكية وتطبيقات الصحة واللياقة البدنية.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ التطبيقات المتقدمة للذكاء الاصطناعي مثل الروبوتات والمركبات ذاتية القيادة والطائرات من دون طيار والأنظمة الصناعية الذكية تؤثر تأثيراً مباشراً في حياتنا اليومية، فتساعد على تحسين الكفاءة وتقليل الأخطاء وتحسين الأمان والراحة والتجربة العملية بشكل عام.
من المتوقع أن يتزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في المستقبل، وقد يؤدي ذلك إلى تغييرات كبيرة في الطريقة التي نتفاعل بها مع التكنولوجيا ونتعامل بها مع العالم من حولنا؛ لذلك من الهام أن نفكر في تأثيرات هذه التطبيقات والتحديات التي يمكن أن تواجهنا في المستقبل، ونتبنى السياسات والإجراءات اللازمة لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بفاعلية وآمن واستدامة.
اكتشاف المزيد من مباشر التقنية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.