أحد أبرز المجالات التي تؤثر بها تقنيات الذكاء الاصطناعي هو التفاعل بين الإنسان والآلة، ففي الماضي كان التفاعل بين الإنسان والآلة يعتمد اعتماداً أساسياً على التعليمات المبرمجة، لكن مع تقدُّم التكنولوجيا وتطوُّر تقنيات الذكاء الاصطناعي بات من الممكن للأنظمة والروبوتات أن تتعلم وتتفاعل بذكاء مع البشر، هذا النوع من التقنيات يسعى إلى تعزيز التواصل والتفاعل بين الإنسان والآلة من خلال فهم اللغة وتعرُّف الصوت والصورة والتفكير المشابه للبشر، في هذا المقال سوف نكتشف عالم الذكاء الاصطناعي والتفاعل بين الإنسان والآلة، والتحديات التي تواجهه والآفاق المستقبلية لتطويره.
أولاً: تاريخ الذكاء الاصطناعي وتأثيره في التفاعل بين الإنسان والآلة
مصطلح الذكاء الاصطناعي يعود إلى عقد الخمسينيات من القرن الماضي وبالتحديد عام 1950 عندما قام العالِم آلان تورينج Alan Turing بتقديم ما يُعرَف باختبار تورينج Turing Test الخاص بتقييم الذكاء لجهاز الكمبيوتر وتصنيفه ذكياً في حال قدرته على محاكاة العقل البشري، وفيما بعد صمم أنتوني أوتنجر Anthony Oettinger تجربة محاكاة من خلال جهاز حاسوب لعملية التسوق التي يقوم بها الإنسان في أكثر من متجر لقياس قدرة الحاسوب على التعلم، وكانت التجربة الأولى في مجال تعلُّم الآلة.
بعد ذلك تسارعت وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي حتى أصبحت الروبوتات التفاعلية مُتاحة في المتاجر، وتطوَّر الأمر ليصبح هناك روبوت يتفاعل مع المشاعر المختلفة.
جاء عام 2018 الذي مثَّل النقلة الحقيقية الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي، فقد أصبحت التكنولوجيا الأداة الرئيسة في جميع القطاعات، وعلى العموم يمكن تقسيم الذكاء الاصطناعي إلى ثلاثة أنواع:
- الذكاء الاصطناعي الضيق Weak AI or Narrow AI: مثل السيارات ذاتية القيادة، وبرامج التعرُف إلى الكلام أو الصور.
- الذكاء الاصطناعي العام General AI: ما يزال البحث جارياً فيه، يعنى بإنتاج نظام شبكات عصبيَّة للآلة مُشابهة لتلك التي يحتويها الجسم البشري.
- الذكاء الاصطناعي الفائق Super AI: الذي قد يفوق مستوى ذكاء البشر.
في مجال تعزيز التفاعل والتواصل، استطاع الذكاء الاصطناعي تعزيز التفاعل بين الإنسان والآلة وتحسين تجربة المستخدم وتمكين الآلات من التفاعل بشكل أكثر ذكاء واستيعاباً لاحتياجات البشر.
- تطوير واجهات مستخدم سهلة الاستخدام ومفهومة للإنسان، فتمكِّن المستخدمين من التفاعل بسهولة مع الأنظمة الذكية، شملت هذه الواجهات تقنيات مثل الأوامر الصوتية، واللمس التفاعلي، والواقع المعزز.
- تعزيز التواصل اللغوي والحوار باستخدام تقنيات مثل معالجة اللغة الطبيعية وتعلُّم الآلة؛ لتمكين الآلات من فهم اللغة البشرية والاستجابة للأوامر والأسئلة بشكل طبيعي، استُخدِمَت هذه التقنيات في تطبيقات مثل مساعدات الذكاء الاصطناعي ونظم الدردشة الذكية.
- استخدام تقنيات التعرف إلى الوجه وتحليل العواطف لتمكين الآلات من التعرف إلى تعابير الوجه والمشاعر البشرية.
- تكامل الروبوتات والأتمتة، فقد استُخدِمَ الذكاء الاصطناعي لتحسين وظائف الروبوتات وتكاملها مع الأنظمة البشرية، ويمكن للروبوتات أن تكون قادرة على فهم البيئة المحيطة بها والتفاعل مع البشر بطرائق متقدمة مثل التعاون في المهام أو تقديم المساعدة في النشاطات اليومية.
ثانياً: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تعزيز التفاعل بين الإنسان والآلة في عصر الذكاء الاصطناعي
توجد عدة تطبيقات للذكاء الاصطناعي ساهمت في تعزيز التواصل والتفاعل بين الإنسان والآلة، منها:
1. مساعدات الذكاء الاصطناعي الصوتية:
مثل Amazon Alexa وGoogle Assistant وApple’s Siri، تستخدم هذه المساعدات تقنيات تعلم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية للفهم والرد على أوامر المستخدمين وتوفير المعلومات والخدمات المختلفة.
2. نظم الدردشة الذكية:
تستخدم هذه النظم تقنيات تعلُّم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية للتفاعل مع المستخدمين وتقديم الإجابات والدعم المختلف، من أمثلة هذه النظم:
1. Dialog Flow:
هو نظام دردشة ذكي تابع لشركة Google، يستخدم Dialog Flow تقنيات تعلُّم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية لتطوير واجهات دردشة ذكية تتفاعل مع المستخدمين بطريقة طبيعية، ويُستخدَم على نطاق واسع في تطبيقات الدعم الذاتي الآلي وخدمات العملاء.
2. IBM Watson Assistant:
نظام دردشة ذكي يستند إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة المطورة بواسطة شركة IBM، يقوم على تعلم الآلة وتحليل اللغة الطبيعية لفهم والاستجابة للأسئلة والاستفسارات وتوجيه المستخدمين.
3. Microsoft Bot Framework:
منصة شاملة لتطوير نظم الدردشة الذكية.
4. Amazon Lex:
نظام دردشة ذكي مدعوم من خدمة (Amazon Web Services (AWS، يتيح للمطورين بناء واجهات دردشة ذكية مع إمكانية التفاعل باللغة الطبيعية.
3. تطبيقات الروبوتات الاجتماعية:
تعتمد هذه التطبيقات على التعرف إلى الوجه والتعرف إلى الصوت وتقنيات التفاعل اللغوي للتفاعل مع البشر وتوفير تجربة تفاعلية، ومن أمثلة هذه الروبوتات:
1. Pepper:
يعد Pepper واحداً من أشهر الروبوتات الاجتماعية، وقد طُوِّر بواسطة شركة (SoftBank Robotics)، ويُستخدَم في عديد من المجالات مثل الاستقبال في المحلات التجارية والمساعدة في التسوق وتقديم المعلومات الأساسية.
2. NAO:
يتميز بحجمه الصغير وشكله اللطيف يُستخدَم في مجالات متعددة مثل التعليم والبحث والترفيه.
3. Jibo:
هو روبوت اجتماعي منزلي ذو تصميم أنيق وجذاب، يوفر مجموعة متنوعة من الخدمات مثل إدارة المهام وتشغيل الموسيقى، ويستجيب للأوامر الصوتية.
4. Furhat:
يعدُّ نموذجاً متقدماً من الروبوتات الاجتماعية، يتميز بواجهة متجاوبة ومعرفة عالية وتعبيرات وجه متحركة وواجهات لغوية في مجالات مختلفة مثل التعليم والتدريب والأبحاث الاجتماعية.
4. تطبيقات التعلم عن بُعد:
يُستخدَم الذكاء الاصطناعي في تطوير منصات التعلم عن بُعد لتوفير تجربة تفاعلية للطلاب، فيمكن للطلاب التفاعل مع الروبوتات المحاضِرة، والحصول على تعليمات وملاحظات فردية، وتلقي ردود فعل فورية على أدائهم ومن أمثلة تلك التطبيقات:
- منصات التعلم الإلكتروني: مثل coursera وudemy وedx توفر محتوى تعليمي عبر الإنترنت يتيح للمتعلمين التفاعل مع المحتوى بطرائق مختلفة.
- تطبيقات التعلم باللغة الطبيعية: مثل استخدام المساعدات الصوتية للحصول على إجابات فورية.
- تطبيقات الواقع الافتراضي المعزز.
- منصات التعلم الاجتماعي مثل تطبيقات الدردشة.
- تطبيقات التعلم الذكي: مثل Duolingo
- تطبيقات التعليم البرمجي: Sololearn وCodecademy.
5. التطبيقات الطبية:
يُستخدَم الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية لتعزيز التواصل بين الأطباء والمرضى، وتسهيل تشخيص الأمراض، وتحسين توصيات العلاج، ويمكن للتطبيقات الذكية أن تساعد على تحسين الاتصال والتفاعل بين المهنيين الطبيين والمرضى.
ثالثاً: التحديات الرئيسة التي تواجه الذكاء الاصطناعي والتفاعل الإنسان – الآلة
1. فهم اللغة الطبيعية:
من أكثر التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي وأصعبها هو فهم وتفسير اللغة الطبيعية بدقة، فيعدُّ ذلك تحدياً كبيراً في تعزيز التفاعل بين الإنسان والآلة، فهي تحتوي على عديد من التراكيب اللغوية، وتحقيق تفاهم دقيق يتطلب تقنيات متقدمة في مجال معالجة اللغة الطبيعية.
2. كمية غير كافية من بيانات التدريب:
إنَّ معظم خوارزميات تعلُّم الآلة تحتاج إلى كثير من البيانات حتى تعمل عملاً صحيحاً وحتى بالنسبة إلى أبسط المشكلات على العقل البشري.
3. التعرف إلى العواطف والمشاعر:
التفاعل الفعال بين الإنسان والآلة يتطلب القدرة على التعرف إلى العواطف والمشاعر البشرية.
4. التكيف المستمر:
التفاعل البشري – الآلي يتطلب القدرة على التعلم والتكيف المستمر مع احتياجات المستخدمين؛ لذا يجب على الذكاء الاصطناعي أن يتعلم تفاعلات الإنسان، وأن يتكيف مع التغيرات في الاحتياجات والتفضيلات.
5. الثقة والأمان:
بناء الثقة بين الإنسان والآلة هو تحدٍّ كبير جداً، فيجب على المستخدمين أن يشعروا بالراحة والثقة وحماية خصوصياتهم عند التعامل مع الأنظمة الذكية.
6. التحديات القانونية:
التفاعل بين الإنسان والآلة يثير قضايا قانونية منها ما يرتبط بالتنظيم القانوني لجمع البيانات الشخصية واستخدامها، وتأثير الآلات في اتخاذ القرارات، والتأثير في القضايا الاجتماعية وغير ذلك.
رابعاً: الآفاق المستقبلية للتفاعل بين الإنسان والآلة
الذكاء الاصطناعي من المجالات المثيرة للاهتمام وفي نفس الوقت تفتح عديداً من الآفاق المستقبلية والفرص لتعزيز التفاعل بين الإنسان والآلة، من الفرص المتاحة:
1. تطوير واجهات تفاعلية متقدمة:
يمكن تطوير واجهات مستخدم تفاعلية متقدمة تعتمد الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التفاعل بين الإنسان والآلة، على سبيل المثال يمكن تطوير واجهات صوتية متطورة تستخدم معالجة اللغة الطبيعية وتعرف الصوت لتوفير نموذج تفاعلي فعال وبسيط.
2. تطوير الروبوتات الاجتماعية:
يمكن باستخدام الذكاء الاصطناعي تطوير الروبوتات الاجتماعية التي يمكن أن تقدم مساعدة في جميع المجالات، التعليم، التدريب، الرعاية الصحية، خدمة العملاء وغيرها.
3. تطوير واجهات مخازن ذكية:
يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تطوير واجهات مخازن ذكية لتسهل تجربة التسوق وتعزز التفاعل بين المستهلكين والآلات.
4. تحسين تجربة التعلم عن بُعد:
يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التعلم عن بُعد وتكيف المحتوى وتوفير ملاحظات فورية ومخصصة وتجارب تفاعلية خاصة بكل مستخدم.
5. الواقع المختلط:
تقنيات الواقع المختلط تتيح الدمج بين العالم الفعلي والعالم الافتراضي، وهذا يوفِّر تجارب تفاعلية مميزة، يمكن استخدامها لتوفير بيئات تعليمية محسنة تجمع بين التفاعل البشري والمحتوى الافتراضي.
6. تكنولوجيا المحاكاة الاجتماعية:
يمكن تطوير نماذج تحاكي التفاعل الاجتماعي البشري ويمكن أن تكون هذه التقنيات مفيدة في تحسين مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي لدى الأفراد الذين يعانون من صعوبات في التواصل.
في الختام:
يعد الذكاء الاصطناعي بفضل ما أحرزه من تقدُّم هائل لا سيما خلال السنوات الأخيرة من أبرز التكنولوجيات التي أسهمت في تعزيز التفاعل بين الإنسان والآلة، وأصبح الآن استخدامه ممكناً في شتى المجالات، فيُستخدَم لتنفيذ المهام التي تتطلب ذكاء بشرياً، وانعكس ذلك على جودة الخدمات انعكاساً إيجابياً، ورغم دوره الهام في تحقيق رفاهية الإنسان، فإنَّه يواجه تحديات جمة في تعزيز التواصل بين الإنسان والآلة لا سيما من ناحية الثقة وقيام الآلة باتخاذ القرارات التي تبدو مفهومة للبشر وتحترم القيم والمعايير الأخلاقية، ومع وجود تلك التحديات يمكن لهذه التكنولوجيا أن تعزز التفاعل بين الإنسان والآلة من خلال تحسين تجارب المستخدمين معها.
اكتشاف المزيد من مباشر التقنية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.