وهل من الممكن أن نشهد بعد فترة من الزمن إجراء عمليات باستخدام الذكاء الاصطناعي كما في مقاطع الفيديو الكثيرة المنتشرة التي تُنفَّذ على قطع الفاكهة بوصفها تجارب؟ أم أنَّ دور الذكاء الاصطناعي في الطب سيبقى مقتصراً على تحسين الرعاية الصحية وعلى مجالات محددة كالتشخيص وتطوير الأدوية وما إلى ذلك؟ الكثير من الأسئلة ستجدون إجابات عنها في هذا المقال، فتابعوا معنا.
ما هو الذكاء الاصطناعي في الطب؟
يعرَّف الذكاء الاصطناعي في الطب بأنَّه تلك القدرة التي تمتلكها الأجهزة الرقمية أو الحاسوب وتمكِّنه من إجراء وإنجاز المهام البشرية، فالآلات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكنها التعلم والتفكير وحتى التعليم، ولتحقيق ذلك يتم استخدام مفاهيم من الإحصاء وعلوم البيانات والحاسب.
في الحقيقة تم توظيف الذكاء الاصطناعي في كثير من المجالات ومنذ فترة طويلة، ولكنَّ استخدامه في الطب والرعاية الصحية ما زال موضوع جدل حتى الآن، ويرجع هذا الجدل إلى العديد من العوامل أهمها أخلاقيات مهنة الطب وحساسيتها.
يتعرض اليوم المسؤولون وقادة النظام الصحي إلى ضغوطات كبيرة جداً جميعها تدعو إلى ضرورة تحسين الواقع الصحي والتقليل من تكاليف التشخيص والعلاج والأدوية، وهذا بدأ يشكل تحدياً للعاملين في القطاع الصحي الذين أصبح من الواجب عليهم إنشاء توازن بين هذه المطالب وبين استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) بشكل صحيح.
تساعد أجهزة الحاسب الأطباء على تشخيص المرض واقتراحات العلاج؛ إذ يتعامل الذكاء الاصطناعي مع البيانات المنظمة كالصور وبيانات الفيزيولوجيا الكهربائية، ويتم تدريب الخوارزميات عن طريق استخدام بيانات الرعاية الصحية، ويعد نظام “واتسون” من أكثر الأنظمة التي نالت الكثير من الثناء بعد تطبيقها في مجال الأورام.
ما هي تطبيقات وفوائد الذكاء الاصطناعي في الطب؟
تمكَّن الذكاء الاصطناعي من تحقيق الكثير من الفوائد في مختلف المجالات، والمجال الطبي في الواقع ليس إلا أحد هذه المجالات، وسنقوم فيما يأتي بتعداد أهم تطبيقات ومجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب:
1. حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً في مجال تشخيص الأمراض:
فبعد أن كان الطبيب يقضي وقتاً طويلاً في تشخيص المرض أصبح الأمر أكثر سهولة وأقل تكلفة، وهذا أدى إلى إنقاذ حياة الكثيرين حول العالم؛ إذ يستخدم الذكاء الاصطناعي العديد من الطرائق لتشخيص الأمراض، ومن هذه الطرائق التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالأشعة السينية والرنين المغناطيسي والجينوميات والبروتيوميات.
2. جعل الذكاء الاصطناعي من عملية تطوير الأدوية أكثر كفاءة وسرعة:
فمن المعروف أنَّ عملية إدخال تحسينات وتعديلات وحتى اكتشاف أدوية جديدة تحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت والكلفة، لكن بوجود الذكاء الاصطناعي ومن خلال استخدامه في مجال الطب أصبح الأمر أكثر سهولة.
3. يساعد الذكاء الاصطناعي على تعيين أصل المرض ويرشح أفضل الأدوية المناسبة لمرض ما:
وذلك حسب أثر المركبات الدوائية في الجزء المصاب، ولا يرشح الذكاء الاصطناعي فقط الدواء المناسب للمريض؛ بل أيضاً يرشح الأشخاص المناسبين لإجراء الدراسات عليهم ومراقبة الأثر الدوائي في أجسادهم.
على خلاف الاعتقاد الشائع فحتى لو تشابه المرض لا يمكننا اتباع العلاج ذاته مع جميع المرضى، فكل مريض في الواقع يحتاج إلى خطة علاج متناسبة مع طبيعة جسده وظروفه والعديد من العوامل الأخرى، وقد ساهم الذكاء الاصطناعي في اختيار الخطة العلاجية المناسبة لكل شخص بناءً على مجموعة من العوامل والخصائص التي تجعل استجابته لعلاج معين أكثر من غيره.
4. حسَّن الذكاء الاصطناعي من عملية تعديل الجينات التي تعد من العمليات الصعبة والمعقدة والمكلفة بنفس الوقت:
وهكذا أصبح تعديل الجينات من أكثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب استخداماً، وطبعاً مع ضمان التقليل من مدى التعرض للآثار الجانبية.
فوائد الذكاء الاصطناعي في الطب:
لقد تحدَّثنا عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب، والآن لا بد من ذكر أهم فوائد الذكاء الاصطناعي في الطب وهي:
- التقليل من احتمالات الخطأ في التشخيص، وهذا ينعكس انعكاساً إيجابياً على حياة المريض الذي لم يعد تشخيصه معتمداً على الاحتمالات.
- يوفر الذكاء الاصطناعي الكثير من الوقت الذي كان يحتاجه الطبيب في السابق للبحث عن الدواء المناسب للحالة ولتقدير مدى كفاءة الإجراءات والعلاج المستخدم، وهذا بالطبع يحسن من رعاية المريض.
- يقلل الذكاء الاصطناعي من تكاليف العلاج نظراً للوقت الذي يوفره على الطبيب في عملية البحث وتحديد خطة العلاج.
- يجد المريض بفضل الذكاء الاصطناعي إجابات عن الكثير من الأسئلة التي قد تخطر في باله، في الوقت الذي قد يكون طبيبه غير قادر على تقديم الإجابات، ويتم ذلك عبر الكثير من التطبيقات منها روبوتات المحادثة.
- حققت الكثير من تطبيقات الذكاء الاصطناعي الكثير من التطورات في الطرائق التشخيصية، فأصبح موضوع الكشف عن سرطان الرئة والسكتة الدماغية أسهل بفضل الأشعة المقطعية؛ وهي من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال التشخيص، ولم يقتصر الأمر على هذه الفائدة فأصبح من السهل تقييم مخاطر الموت الناتجة عن أمراض القلب وحتى تصنيف الأمراض الجلدية.
- دعم تدخلات الصحة العامة كمراقبة المرض وإدارة الأنظمة الصحية.
- الذكاء الاصطناعي هو أداة قوية يمكنها زيادة سرعة وتحسين كفاءة وعمل أنظمة الصحة العالمية، وذلك من خلال تحليل كمية كبيرة من البيانات بشكل مباشر وسريع، وهذا بالطبع يساعد على تسريع اتخاذ القرارات السريرية وغير السريرية وتقليل التباين الطبي.
حتى إنَّ الذكاء الاصطناعي يساهم إسهاماً كبيراً في التقليل من حجم المهام الإدارية الشاقة التي تُرمى عادة على المتخصصين في الرعاية الصحية، وهذا يضاعف حجم أعمالهم ويرهقهم، وهذا يعني أنَّنا عندما نتمكن من دمج الذكاء الاصطناعي بشكل سلس نتيح الفرصة للأطباء ليركزوا على الأمور الأهم؛ أي المرضى.
كيف يمكن أن يحسن الذكاء الاصطناعي من الرعاية الصحية للمريض حسب منظمة الصحة العالمية؟
أشارت منظمة الصحة العالمية إلى الدور الكبير الذي أدَّاه الذكاء الاصطناعي في الطب، وأكدت على أنَّ الذكاء الاصطناعي في الطب يَعِدُ بتحسين الرعاية الصحية للمريض، لكن هناك العديد من الخطوط الحمراء التي لا يجب أن يتم تجاوزها؛ حتى يتم ضمان استخدام هذه التطبيقات بما يعود بالنفع على الإنسان، فقد يمتلك هذا الذكاء إمكانات هائلة يمكنها أن تساهم في تحسين صحة ملايين الناس في العالم.
صدر عن منظمة الصحة العالمية تقرير أوضح “أخلاقيات وحوكمة الذكاء الاصطناعي في الطب”، فقد أشار التقرير إلى السماح باستخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الطب، حتى إنَّ بعض الدول قد باشرت بذلك، وهذا ما أدى إلى الكثير من الفوائد التي تحدَّثنا عنها آنفاً سواء في التشخيص أم العلاج وتطوير الأدوية، والأهم من هذا كله يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانية سد الثغرات في الأماكن التي يصعب على المرضى الوصول إلى العاملين في القطاع الصحي للحصول على الخدمات الصحية، كالأطباء والممرضين نتيجة ظروف معينة كالحروب وما شابه ذلك.
حذَّر تقرير منظمة الصحة العالمية السابق الذي أكد على دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الرعاية الصحية للمرضى أيضاً من إمكانية إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي، ومن المبالغات في تقدير قيمة الفوائد الناتجة عن هذا الذكاء؛ إذ ظن بعضهم أنَّ الذكاء الاصطناعي في الطب سيحل مكان الطبيب، وهذا الأمر حقيقة مرفوض وغير صحيح.
من الممكن أن يسبب الاستخدام غير الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في الطب الكثير من المخاطر، وهذا يهدد سلامة المرضى وحياتهم، ومثال عن هذا يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لصالح الشركات التجارية، وهذا ما يخضع مصلحة المريض لمصلحة هذه الشركات، وبناءً على هذا وضعت منظمة الصحة العالمية ستة مبادئ أساسية لتوجيه الذكاء الاصطناعي بحيث يحقق مصلحة المريض ويحسن الرعاية الصحية، وهذه المبادئ هي:
- حماية استقلال الإنسان.
- تعزيز رفاهية الإنسان ومصلحته وسلامته.
- التأكيد على الشفافية والوضوح والقدرة على الشرح.
- المسؤولية والمساءلة.
- التأكيد على الشمولية وعلى العدل والإنصاف.
- تعزيز الذكاء الاصطناعي المستجيب والمستدام.
لقد دعا التقرير في النهاية إلى ضرورة تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل دقيق وبعناية فائقة حتى يكون قادراً على مراعاة تنوع بيئات الرعاية الاجتماعية والصحية والاقتصادية، كما أكد على ضرورة تدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية على المهارات الرقمية وعلى المشاركة المجتمعية والعمل على زيادة الوعي للوصول إلى مرحلة محو الأمية الرقمية، وهذا يتطلب تضافر جهود كل من الحكومات والمصممين والعاملين في مجال الخدمات الطبية والصحية.
في الختام:
مهما بلغت درجة التطور لا ينبغي أبداً أن نسمح للإرادة البشرية أن تخضع للذكاء الاصطناعي، فأولاً وأخيراً علينا أن نتذكر أنَّ كل هذه الخوارزميات يتم تطويرها من خلال العقل البشري، ناهيك عن افتقار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى الأخلاقيات التي تحكم العنصر البشري في كثير من الحالات وفي العديد من القرارات.
اكتشاف المزيد من مباشر التقنية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.