إذاً، يمكن القول إنَّ من أعظم مظاهر التطور التكنولوجي الحالي هو التطور الذي طال الحاسوب وتطبيقاته، ونتيجة للتسارع الشديد في المنجزات العلمية وتأثر الإنسان بها، فقد تخطت نطاق العمل والتعليم والترفيه إلى نطاقات جديدة لم يتخيلها أحد، ومن أبرزها التربية الفنية؛ إذ اتجه للعمل بها عدد كبير من الفنانين، ونتج عن ذلك ما يسمى بالفن الرقمي؛ والفن الرقمي هو إنتاج فني ثنائي أو ثلاثي الأبعاد يستعاض بالأدوات والأجهزة الإلكترونية لإنجازه عوضاً عن الرسم بأدوات الرسم التقليدية كالأوراق والألوان وسواها.
أولاً: ما هو الفن الرقمي؟
اشتهر الفن الرقمي بمجموعة كبيرة من التسميات الأخرى مثل “فن الديجيتال” (Digital Art) و”التلوين الرقمي” (Digital Painting) و”فن الويب” (Web Art) و”فن الفوتوشوب” (Photoshop art)، وأياً كانت التسمية فالفن الرقمي واحد من الفنون التي ازدهرت ونمت نمواً كبيراً مع استخدام الشبكة العنكبوتية، وسمي بالفن الرقمي لاعتماده على لغة الحاسوب العشرية المكونة من الرقمين (0،1) وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها الحاسب الآلي ويتمكن من التعامل معها، فهي اللغة الأساس لكل لغات البرمجة.
أكثر ما يميز هذا الفن هو الحس الموجود والإبداع الذي يتسم به؛ إذ يركز الفنان فيه على العواطف والرؤية الخيالية التي تهدف إلى إيصال رسالة معينة من طرفه بالاعتماد الكلي على الحاسوب دون قيود أو وسيط مادي يستلزم وجودها لإتمام عملية التعبير.
يعرِّفه الفنان “روبرت بورغر” أستاذ فن الرسم بالحاسوب في جامعة “بنسلفانيا”: “إنَّه – ببساطة – الفن الذي يستخدم الحاسوب بوصفه أداة، ولا يرتبط الفن الرقمي بتاريخ معين؛ بمعنى أنَّه باستطاعة أي فنان صاحب موهبة ولديه المعرفة باستخدامات الحاسوب وبرامج التصميم والرسم المختلفة أن يطور تشكيلات لا نهائية من اللوحات الفنية لم تكن لتتحقق دون توفر هذه التكنولوجيا”.
ثانياً: مدارس الفن الرقمي
يُقسم الفن الرقمي من حيث التقنيات التي يستخدمها إلى أربع مدارس رئيسة:
1. البيكسل (pixel):
من أكثر الفنون التي لاقت رواجاً كبيراً في السنوات الماضية، ويُعَدُّ كل من (Adele Goldberg) و(Robert flegal) أول من أطلق فن البيكسل في عام 1982، والبيكسل كلمة مأخوذة من اللغة الإنجليزية ومكونة من كلمتين هما (picture) و(element) وتعني في اللغة العربية “عنصر الصورة”، والمقصود من استخدامها الدلالة على الجزئيات.
فالبيكسل هو أصغر عناصر الصورة على شكل نقطة أو مستطيل صغير، ويوجد في التصميمات المنفذة عبر استخدام برامج محددة مثل (Photoshop) و(Paint pro Bitmap)؛ إذ تصبح الصور أكثر وضوحاً كلما كان عدد المربعات أكبر؛ بمعنى تكون الصورة أكثر دقة، وخلاف ذلك صحيح، فكلما قل عدد المربعات تصبح الصورة أقل دقة ووضوحاً؛ إذ يعتمد على الرسم الدقيق للجزيئات ليكوِّن من خلالها رسمة معينة أو صورة محددة.
من أشهر برامج البيكسل (Art pixel) هو “الفوتوشوب” (Adobe Photoshop) و”الجرفيكس” (Graphics Gale) و(MS Paint) الخاص بنظام تشغيل (windows) و(GIMP)؛ وهو عبارة عن برنامج مجاني يشبه برنامج “الفوتوشوب”، وتوجد منه إصدارات مختلفة، وبرنامج (Pixen) وبرنامج (Pro motion) المميز بأنَّه برنامج خفيف الحجم ويسمح بحرية الحركة دون الحاجة إلى استخدام برامج أخرى.
2. فن الفيكتور (Vector Art):
يُعَدُّ فن الفيكتور أو كما يسمى باللغة العربية فن المتجهات من أكثر الفنون الرقمية استخداماً وانتشاراً ولا سيما في صناعة الشعارات (Logo) واللوحات الدعائية (Poster)، بالإضافة إلى الكتب والمجلات والبطاقات والتقويم السنوي والزخارف المختلفة.
هو فن دقيق ويمكن تكبيره إلى أحجام تصل إلى 6400 مرة ولا تتعرض الصور للتشويه، فصوره عالية الوضوح لأنَّها تعتمد على نقاط الربط (Ancor Points)؛ وذلك بخلاف طريقة البيكسل التي تصبح مشوشة أكثر كلما قمنا بتكبيرها، ومن أشهر البرامج التي تُستخدم في المتجهات.
3. برنامج أدوبي اليستراتور (Adobe Illustrator):
هو برنامج أنتجته شركة “أدوبي” لإعداد التصميمات، وهو البرنامج الأقوى والأكثر تخصصاً، وتملك آخر نسخة منه Illustrator) CC) العديد من المزايا الجديدة والفريدة منها إمكانية تعدد ألواح الرسم في الملف الواحد.
4. برنامج كورل درو (Corel Draw):
هو برنامج وضعته شركة “كوريل” في عام 1989 ومن بعدها ظهرت برامج عدة مرتبطة به.
5. برنامج الفوتوشوب (Adobe Photoshop):
هو برنامج وضعته وطورته شركة “أدوبي” منذ عام 1988 بواسطة “توماس نول” و”جون نول” خاص بنظام التشغيل “مايكروسوفت ويندوز” و”ماك أو إس”، ويُعَدُّ هذا البرنامج المعيار الصناعي في الفن الرقمي؛ فيتيح أدوات معالجة متطورة وبسيطة لمعالجة الصور ثنائية وثلاثية الأبعاد، كما يمتلك الأدوات التي تتيح تصحيح الألوان وتحسينها والتحكم بلمعانها ودرجة التشبع.
6. الكولاج “فن قصاصات الورق”:
هو نوع متميز من الفن الرقمي يقوم على قص ولصق خامات عدة معاً في لوحة واحدة؛ بمعنى استخدام قصاصات من جرائد أو أجزاء من الأوراق الملونة أو الصور الفوتوغرافية، ثم تلصق هذه القطع في لوحة واحدة من خشب أو قماش.
لقد نشأ هذا الفن في الصين في القرن الثاني قبل الميلاد عندما تم اختراع الورق، لكن على الرغم من ذلك ظل استخدامه محدوداً حتى بدأ الخطاطون في اليابان باستخدامه في كتابة الشعر في القرن العاشر الميلادي، وفي أوروبا ظهر في القرن الثالث عشر الميلادي عندما قامت الكاتدرائية باستخدام اللوحات الدينية المصنوعة من الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة وأوراق الأشجار المذهبة، كما استُخدم فن الكولاج في القرن التاسع عشر من قِبل هواة وممارسي الأعمال اليدوية مثل تزيين الصور، وفي القرن العشرين كان أول من استخدم هذا الفن “بيكاسو” في الرسوم الزيتية.
7. الدمج:
يقوم الدمج على أساس تجميع أشكال مختلفة في لوحة جديدة تمثل عملاً جديداً كلياً؛ بمعنى يقوم على الجمع بين أكثر من صورة في صورة جديدة.
ثالثاً: مجالات الفن الرقمي
1. المجال الواقعي:
هو نوع الفن القائم على ما يوجد في الواقع أساساً دون إضافة أي شيء آخر من خيال الفنان أو أي نوع آخر من التأثيرات.
2. المجال الخيالي:
هنا لا يلتزم الفنان بما يراه في الواقع فقط؛ بل يضيف إليه رؤيته الخاصة والتأثيرات التي يراها مناسبة أو حتى مضادة، وهي تحاكي المدرسة السريالية في الفن التقليدي لكن باستخدام الحاسوب.
3. المجال التعبيري:
ظهر هذا النوع في القرن العشرين، وكان النمساويون والألمان أول من استخدموه، ويعرف بفن الرسم بالحركة وهو يُظهر المشاعر التي يمر فيها الفنان والمشاعر للشيء الذي يقوم برسمه.
رابعاً: أشهر فناني الفن الرقمي
1. ديفيد ماكليود:
أسترالي الجنسية يقوم باستخدام الحاسوب بتقنية (GGI) في إنشاء الصور.
2. ستيفان مكمينامي:
المشهور بطريقته الغريبة التي تقوم على الجمع بين شيئين متشابهين في اللون مختلفين في الموضع ضمن لوحة واحدة.
3. نيك أينلي:
الذي يعمل لدى “ناشيونال جيوغرافيك”.
4. جايسون نايلور:
الذي يحاول أن يبعث على التفاؤل من خلال ما يقدمه من فن من خلال استخدامه للألوان الزاهية مقابل اللون الأسود.
5. سارة لودي:
التي تحاول من خلال رسومها إيجاد العلاقة بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي.
خامساً: ميزات الفن الرقمي
- عدم الحاجة إلى شراء الأدوات والألوان والأقلام والأوراق وغيرها من أدوات الرسم التقليدي التي تُعَدُّ باهظة الثمن.
- تمثل بيئة الرسم الرقمي بيئة نظيفة وآمنة بالنسبة إلى الرسام، فلا أوساخ ولا روائح كريهة تعكر صفو الرسام، بالإضافة إلى توفير الوقت والجهد الذي يقضيه الرسام في تنظيف أدواته قبل وبعد الرسم.
- على الرغم من أنَّ أدوات الفن الرقمي غالباً ما تكون غالية وباهظة الثمن إلا أنَّها توفر الكثير من الوقت والجهد على الفنان، بالإضافة إلى النتيجة عالية الدقة والوضوح التي تنتجها.
- يتيح الفن الرقمي طباعة اللوحات على أي نوع من القماش أو الورق أو أيَّة مادة أخرى وبالحجم الذي يريده.
في الختام:
يتم الفن الرقمي بالاعتماد على استخدام التكنولوجيا سواء الأجهزة الإلكترونية أم اللوحية أم باستخدام الحاسوب، ومن المفاهيم الخاطئة التي يمكن أن يعتقدها الناس أنَّ الرسام الرقمي لا يبذل الجهد وأنَّ الحاسوب هو ما يقوم بالعمل، ولكنَّ ذلك الاعتقاد خاطئ تماماً، فالرسام الرقمي يبذل من الجهد ما يضاهي؛ بل يزيد عن الجهد الذي يبذله الفنان التقليدي.
لقد أصبح هذا النوع من الفن منتشراً بشكل واسع، وهو يُستخدم في العديد من المجالات مثل الألعاب الرقمية والبرامج والمواقع الإلكترونية وصناعة السينما، لا سيما في الأفلام التي تتناول الخيال العلمي موضوعاً لها، والتي يستحيل بناء مشهد معين لها على أرض الواقع وهي أهم ميزة لا يمكن تحقيقها باستخدام الفن التقليدي.
اكتشاف المزيد من مباشر التقنية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.